السلام عليكم
حبيت أنقل لكم الي قاعد يصير واحنا نايمين بالعسل....
.....
عبد الباري عطوان
يبدو أن المحرقة التي هدد بها نائب وزير الحرب الإسرائيلي لن تقتصر فقط علي أطفال قطاع غزة، بل ربما تمتــــد إلي المنطقة العربية بأسرها، فليس من قبيل الصدفة أن تتزامن الحشودات العسكريـــة الاسرائيلية البرية علي حدود القطاع مع وصول المدمرة الأمريكية يو. اس. اس. كول الي الشواطئ اللبنانية وبصحبتها مجموعة من السفن الحربية الأمريكية المجهزة بالطائرات العمودية وآلاف جنود المارينز.
أنها حرب الإبادة التي خططت لها أمريكا وإسرائيل، بالتعاون مع أنظمة الاعتدال العربية، بهدف تركيع العرب مرة واحدة، والي الأبد، بعدها يتم تتويج إسرائيل زعيمة إقليمية دون اي منازع، ويستمر تدفق النفط تحت السيطرة الأمريكية، وبالأسعار التي تحددها الإدارة في واشنطن.
لم يكن السيد وليد جنبلاط ينطق عن هوي عندما صرخ متحديا قبل شهر: أهلا بالفوضى، اهلا بالحرب. فالرجل كان لتوه عائدا من واشنطن، ومعرّجا علي الرياض، ولا بد انه سمع ما يرضيه ويشفي غليله، فها هي نبوءته تترجم عمليا في البحر، وربما نراها واقعا علي الأرض في الاسابيع القليلة المقبلة.
القيادة العسكرية الأمريكية تقول أنها أرسلت هذه المدمرة وأخواتها بهدف دعم استقرار لبنان، ولا نعرف كيف يتم ذلك من خلال تدخل عسكري سافر، فالبوارج ترسل الي مناطق الحرب، للتمهيد لها، أو المشاركة فيها، ولا نعتقد أن البوارج الأمريكية هذه المزودة بصواريخ مضادة للصواريخ، جاءت الي لبنان من اجل السياحة والاستمتاع بشمسه الدافئة.
الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان جاءت بتعليمات أمريكية، والحرب المقبلة ستكون كذلك أيضا، وهذا هو التفسير الوحيد لعدم إدانة تقرير فينوغراد لايهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، لان القرار لم يكن قراره أساسا، وهذا هو التبرير الوحيد لنفض الغبار عن أيهود باراك وإعادته وزيرا للدفاع.
رأسا المقاومتين، اللبنانية والفلسطينية، هما المطلوبان أمريكيا وعربيا، ولا يمكن أن يتأتي ذلك الا من خلال الحرب، وقد بدأت إسرائيل الحرب فعلا علي حركات المقاومة في قطاع غزة تحت ذريعة وقف إطلاق الصواريخ، وشاهدنا الأطفال يستشهدون في محرقة نازية أكثر شراسة، بينما يلتزم العالم بأسره، بمن في ذلك حكام العرب الصمت المطبق.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس متواطئ أيضا مع هذا المخطط، ليس لأنه لم ينأ بنفسه عنه، وإنما عندما أكد أن تنظيم القاعدة موجود في قطاع غزة بتسهيل من حركة حماس ودعم منها، معطيا الضوء الأخضر للطائرات الاسرائيلية لقصف الأبرياء والأطفال تحت غطاء محاربة الإرهاب واجتثاث جذوره، فالقاعدة هي كلمة السر التي تحشد العالم خلف اي جهة تحارب الإرهاب.
الصواريخ الفلسطينية هي فرقعات مثلما يقول رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وعبثية مثلما يراها رئيسه عباس، ولكن لم يقل الاثنان، واي من حوارييهما في رام الله، عن البديل لهذه الصواريخ، خاصة أنهم اعترفوا في أكثر من مناسبة ان مفاوضاتهم مع إسرائيل لم تحقق اي تقدم، وان استئناف الاستيطان نسف مؤتمر انابوليس للسلام، فإذا كان الحال كذلك اليس من حقنا أن نطالبهم بالاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية وحل السلطة التي يتدثرون بشرعيتها بالتفاوض باسم الشعب الفلسطيني؟
سلطة الرئيس عباس أفلست، وباتت مهمتها محصورة في تسول المال لدفع الرواتب للأنصار، وتبرير الاعتداءات الاسرائيلية، وفي العرفين التجاري والسياسي، انه إذا أفلست شركة أو حكومة فان حلها هو النتيجة المنطقية، ولكن يبدو أن منطق الرئيس عباس يفوق إدراكنا، بحيث لا نستطيع فهمه.
إسرائيل تريد سلطة فلسطينية علي غرار قوات أنطوان لحد في جنوب لبنان، مهمتها توفير الأمن للإسرائيليين، ووقف العمليات الفدائية، وحتي هذه اللحظة لم تجد في هذه السلطة الرغبة او القدرة علي تحقيق هذا الهدف، ولهذا لن تقدم لها اي تنازلات، ولن تعقد معها اي اتفاقات سلام، وهذا ما يفسر استئناف الاستيطان، وتوسيع المستوطنات، وعدم تحقيق اي تقدم حقيقي في المفاوضات.
التوغل الإسرائيلي الأخير في نابلس هو المحطة الاولي في الخطة الأمنية الاسرائيلية لتقويض سلطة الرئيس عباس، واستشهاد اثنين من كتائب شهداء الاقصي قتلا بدم بارد في مخيم بلاطة علي أيدي المستعربين، هو دليل إضافي علي عدم احترام إسرائيل لهذه السلطة، ولاي اتفاقات معها.
حرب تصفية المقاومة، بدأت في قطاع غزة، وحرب اخري متوقعة في لبنان لتصفية المقاومة الاقوي، اي حزب الله ، والهدف هو جر إيران وسورية الي المواجهة. إدارة بوش لم تعد تملك الوقت الكافي، وعنصر الزمن ليس في صالحها في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، والمدمرة الأمريكية كول جاءت للتصدي لاي صواريخ سورية او إيرانية يمكن ان توجّه الي إسرائيل.
أمريكا ستخوض هذه الحرب، إذا ما قررت إشعالها بالطائرات والمدمرات والصواريخ، بينما ستكون المنطقة العربية هي مسرحها الحقيقي، فإشعال الحرب الداخلية في لبنان لتفجير المواجهة الأكبر مع سورية وإيران، سيدفع اللبنانيون البسطاء ثمنها، ولن تكون دول الخليج في منأي عن انتقامات إيرانية مكلفة جدا. إسرائيل رأس الحربة فيها ربما تكون الخاسر الأكبر.
إذلال العرب في حرب عام 1967 واحتلال سيناء والضفة والقطاع والجولان لم يوفرا الأمن لإسرائيل، وإبعاد المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد غزو عام 1982 أتي بمقاومة اخري إسلامية لا تقل بأسا وقوة، واحتلال العراق وأفغانستان لم يحقق لواشنطن طموحاتها في حكم المنطقة والهيمنة عليها. وآخر التقارير الغربية يقول ان حكومة كرزاي تسيطر جزئيا علي ثلث أفغانستان، وان طالبان تستعد لاجتياح كابول.
اجتياح إسرائيل لقطاع غزة لن يوقف المقاومة ولا صواريخها، وحتي إذا توقفت فلفترة مؤقتة، والتهديد بمحرقة في قطاع غزة قد يرتد علي مطلقيه بالقدر نفسه، وربما يكون اي عدوان إسرائيلي علي لبنان محرقة لإسرائيل نفسها، لان السيد حسن نصر الله عندما يهــــدد باستخدام أسلحة جديدة تدمرها فإنه يعني ما يقول.
مشكلتنا كعرب محصورة في كرزاياتنا الذين فقدوا البوصلة، وباتوا يرتعدون امام الرئيس بوش او وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس. أما الشعوب التي تقاوم في غزة ولبنان والعراق وأفغانستان، حتي لو كان ثمن المقاومة باهظا، فهي التي تعيد كتابة التاريخ بطريقة مشرفة.
أمريكا تستطيع ان تحسم الحرب لصالحها في الأيام او الأسابيع او الأشهر الاولي بما تملكه من ترسانة عسكرية جبارة، ولكن السؤال هو عما سيحدث بعد ذلك، او ما يسمي في الغرب (The Morning After) فقد أفلستها تماما حرباها في أفغانستان والعراق (800 مليار دولار حتى الآن)، والاقتصاد الغربي كله في حال ركود، وأسعار النفط تجاوزت المئة دولار للبرميل، ولولا شراء السعودية والصين للسندات الأمريكية لانهارت أمريكا كليا.
أطفال غزة الذين يذبحون اليوم في المحرقة الاسرائيلية الجديدة هم شهداء الأمة، وهم النقطة الوحيدة الأكثر إضاءة في حاضرها، ومن المؤكد ان دماءهم لن تذهب سدي، وسيأتي من يثأر لهم حتما، ان لم يكن اليوم، ففي الغد، أو بعد الغد.
________
لا إله إلا الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكنات